RSS

Monthly Archives: أفريل 2012

غامض وصامت!


منذ أشهر عديدة استضاف د. معتز بالله عبد الفتاح أربع شخصيات يمثلون أربعة أحزاب إسلامية، هم حزب الحرية والعدالة، وحزب النور ، وحزب الوسط، وحزب الأصالة[1]. وفي اللقاء وجه إليهم جميعا نفس السؤال؛ “من بين كل الدول الإسلامية الموجودة، أيها يمثل النموذج الأقرب إلى تصور حزبكم والذي سيحاول تطبيقه إذا ما وصل إلى الحكم؟” أجاب رئيس حزب الوسط، أن النموذج التركي هو الأقرب إلى فكرهم، بينما أجاب الباقون بأن مصر ليست كأي دولة، وأن ما يصلح لدولة أخرى لا يصلح بالضرورة لمصر … إلخ. لا أحد يعترض على هذا كفكرة عامة، لكن من الصعب على المرء أن يتصور أن يأتي شخص ما بتجربة جديدة لم يسبق لها مثيل وربما كان الأقرب إلى المنطق أن تكون التجربة مزيجا من عدة تجارب سابقة أو أن تأخذ الجوانب الإيجابية دون السلبية من التجربة أو أن يكون جزء من التجربة فريدا مبتكرا، فهذا أكثر منطقية من أن تكون كلها جديدة تماما. أستنتج من هذا أحد أمرين؛ إما أن هذه الأحزاب ليس لديها تصور واضح للدولة الإسلامية التي يريدونها، وإما أنهم يخشون من ردة فعل الشارع لهذا التصور.

ولما كان الإحتمال الثاني هو الأقرب إلى المنطق، فإنه يعكس – في رأيي – مشكلة حقيقية موجودة في الحياة السياسية المصرية لدى أغلب الأحزاب ومرشحي الرئاسة، وهي مشكلة الغموض وعدم الوضوح. والإعلام المضلل له دور كبير في انتشار هذه المشكلة وتضخيم تأثيرها، بما ينشره من أخبار كاذبة، وإشاعات مغرضة تزيد من حيرة الناس وتخبطهم. وكليهما – السياسيبن والإعلام – يتحملون مسئولية هذه الأزمة التي اتخذت صورا كثيرة. فأنت تسمع تصريحات تُنفى في اليوم التالي أو يُعلَن أنها لا تعبر عن رأي الحزب رغم أن قائلها – في بعض الأحيان – هو المتحدث الرسمي باسمهم! تسمع تصريحات بعض الإسلاميين فتشعر كأنهم أكثر تحررا من الليبراليين، والعكس، ثم ترى أفعالا تناقض هذه الأقوال! كثير من القوى السياسية يريد أن يلعب على مشاعر الكل، وأن ينول رضا الجميع على مختلف آراءهم وتوجهاتهم. وهذا عبث طفولي، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، والناس لم تُجمِع على النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو خير البشر.

من دلائل هذه الظاهرة أيضا، مصطلح “الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية”. هذا المصطلح الذي حير ملايين المصريين. سمعت أن الشيخ الغزالي – رحمه الله – حينما سئل عن مصطلح “الدولة المدنية” أجاب بأنه يعرف الدولة المدنية التي هي ضد الدولة المكية، أو الدولة الريفية، أو الدولة العسكرية، ولكنه لا يعرف الدولة المدنية بالمعنى المقصود لأن تاريخ الإسلام لم يعرف الدولة الدينية[2]. هذا المصطلح الذي سمعته عشرات المرات دون أن يشرحه أحد، وكلما سمعته من شخص زادت حيرتي أكثر. هل هذه الدولة هي الدولة التي تطبق الحدود وتقيم الخلافة الإسلامية، أم هي الدولة التي تفرض الحجاب وتمنع الخمور، أم هي الدولة التي تطبق مبادئ الشريعة الإسلامية، أم هي شيء آخر؟ أذكر أن الشيخ ياسر برهامي قي مؤتمر لحزب النور[3] قال “الكلام عن الديمقراطية ذات المرجعية الإسلامية يعتبره البعض تنازلا وأننا نسير في طريق الإخوان، وبفضل الله هذا لم يحدث!”، ثم فوجئت قبيل الانتخابات حين قرأت في مطويات دعائية لحزب النور أنهم يريدون دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية!! ولم أجد وسيلة لتفسير هذا التناقض – بحسن نية – إلا أن أفترض أن فهمهم للدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية يختلف تمام الاختلاف عن فهم الإخوان الذي يعد في رأيهم تنازلا! فلماذا لم يخرج علينا من السلفيين أو من الإخوان من يشرح فهمهم والفرق بينه وبين الطرح الآخر؟!

هذا الغموض في الأفكار والاتجاهات لا يقتصر تأثيره على عامة الناس، بل يمتد إلى بعض المنتمين إلى هذه الأحزاب والتيارات كذلك. فقد تتكلم مع من انضم لأحد الأحزاب أو – مؤخرا – لحملات بعض المرشحين الرئاسيين وهو لا يدري ما هو برنامج هذا الحزب أو المرشح، أو ما الذي يميزه عمن سواه. حتى المجلس العسكري وحكوماته المتعاقبة لا تصارح الشعب، فلا يدري أحد هل ما يحدث سوء إدارة وتخطيط أم فشل أم تواطؤ أم جميع ما سبق! صدعوا آذاننا بالحديث عن مخططات تقسيم مصر، والمنظمات الأجنبية العميلة، والمؤامرات التي كشفت، وكرامة مصر التي لم ولن تركع، فلما رحل المتهمون إلى بلادهم لم يمن الله على أحدهم بكلمة واحدة تشفي غليلنا أو تطفئ نار حيرتنا. وإن كان المجلس العسكري – في رأيي – لا زال يعامل الشعب بنفس غطرسة النظام السابق معتقدا أن الحاكم هو الزعيم القائد، وأنه وصيّ على الشعب فلا مجال للمصارحة هنا! أما بالنسبة للأحزاب فلا دافع لديها لاستمرار حالة الغموض هذه إلا الرغبة في الحصول على مكاسب سياسية، وهو أمر مشروع ومباح بشرط ألا يصب في غير مصلحة الوطن. فلا ينبغي لهذه الأحزاب أن تفرح بمقعد أو اثنين حصلوا عليها على حساب مصداقيتهم لدى الناس، فالشعب المصري سريع التعلم، وقد أسقط فلول النظام في مجلس الشعب في معظم الدوائر وهو لا يزال حديث عهد بالديمقراطية، وسيفعلها بإذن الله في انتخابات الرئاسة.

وفي النهاية، لا بد أن أؤكد على أهمية المصارحة والوضوح وأن نضع مصلحة هذا الوطن فوق كل اعتبار وقبل كل مكسب سياسي. وإلى أن تقتنع القوى السياسية بهذا، فإني لا أملك إلا فهمي وتفسيري الشخصي للدولة الإسلامية الذي أرجو وأدعو أن تصل إليه مصر في المستقبل القريب، وهو ما أنوي أن أشاركه معكم في المقال القادم بإذن الله.

 

أحمد سعد

16/4/2012


[1] الحلقة بتاريخ 3 ديسمبر 2011 وموجودة على الرابط التالي: http://www.youtube.com/watch?v=mF6Ak-dw4Ks

[2] بحثت عن مصدر لهذا الخبر فلم أجد للأسف

[3] المؤتمر بتاريخ 18 أغسطس 2011 وموجود على الرابط التالي: http://www.youtube.com/watch?v=PmSAf1zWOVI

 
2 تعليقان

Posted by في 16 أفريل 2012 بوصة كلام في السياسة

 

الأوسمة: , , , , , ,