RSS

تغييروفوبيا – 1. مقدمة لا بد منها

26 ديسمبر

أستهل هذا المقال بأن أدعو كل المراجع الطبية والسياسية، والمجلات العلمية، وموسوعات الأرقام القياسية، ومكاتب براءات الاختراع المحلية والدولية، أن تسجل باسمي هذا الاكتشاف الجديد .. ألا وهو مرض “التغييروفوبيا” أو “فوبيا التغيير”! من الواضح طبعا أن هذا المقال يتحدث عن الفوبيا .. ويتحدث عن التغيير كذلك! وسبب كتابتي لهذا المقال هو أنني أرى أن الأحداث تكرر نفسها بشكل ممل منذ اندلاع الثورة .. وهي تشير إلى مدى انتشار فوبيا التغيير في مجتمعنا. وقد قررت – أخيرا – أن أستعمل حقي الذي يكفله لي الدستور والقانون ووثيقة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في أن أكون محللا سياسيا! وأعلم أن حديثي في السياسة سيعرضني لسيل من الانتقادات – التي أرجو ألا تصل إلى حد الشتائم – ولكن كل شيء يهون في سبيل هذا الحق! ولتكن بدايتنا بتحليل هذا العنوان.

الفوبيا أو الرهاب – لمن لا يعرف – هو الخوف المفرط والدائم من شيء ما أو موقف معين يدفع المصاب به إلى تجنب هذا الشيء أو الموقف بأي ثمن، فهناك فوبيا الأماكن المغلقة[1] وهناك فوبيا المرتفعات[2] وغيرها. أنواع الفوبيا لا حصر لها .. ولكنك تستطيع أن تلاحظ الرابط بينها جميعا وهو الدافع لكل أنواع الخوف تقريبا .. ألا وهو الخوف من المجهول. الإنسان يهاب الظلام لأنه يجهل ما فيه .. يرهب الغد لآنه لا يستطيع أن يتنبأ بما سيحمله له .. يتخوف من الإسلاميين أو الليبراليين مثلا لأنه لم يعرفهم عن قرب. وهذا هو الفارق بين الخوف والخشية .. فالإنسان يخاف ما يجهل، ويخشى ما يعرف، ولذلك قال الله – عز وجل – “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء” [فاطر:28]. أما عن التغيير فهو سنة الحياة وطبيعة الأشياء، فلا شيء يبقى على حاله إلا الموتى والجمادات. والحضارة التي تفشل في التغير أو مواكبة التغيير هي حضارة فنت واندثرت. التغيير لا يحتاج إلى تعريف وله عوامله وأنواعه المختلفة التي سنرجيء الحديث عنها إلى المقالات القادمة بإذن الله.

ظللنا نستمع سنوات طويلة إلى أحاديث الناس عن الفساد الذي استشرى وانتشر، والتدهور الرهيب في الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فلما اندلعت الثورة رأيت الكثيرين من هؤلاء معارضين للثورة واصفين شبابها بأنهم لا يمثلون إلا أنفسهم، حتى استقالت الحكومة فحمدوا الله على ذلك، ثم عارض هؤلاء المطالبات برحيل الرئيس السابق وفضلوا الانتظار لحين انتهاء فترته الرئاسية، ووصفوا الثوار مجددا بأنهم لا يمثلون الشعب وبأنهم هم الأغلبية الصامتة، فلما رحل أثنوا على الثورة والثوار. وكذا الحال مع حكومة شفيق التي كان استمرار بقائها صفعة على جبين الثورة فقد تسترت على الفساد والفاسدين ومنحتهم الفرصة كي يحزموا أمتعتهم ويتخلصوا مما يدينهم فلما أقيلت تنفسوا الصعداء. وفي كل مرة كنت أسمع نفس الكلمات والحجج الواهية؛ “يعني هو لما يمشي مين هييجي مكانه؟ قوللي كده مين دلوقتي موجود ينفع يحل محله؟ فلان؟ ده فيه عيوب كذا وكذا. علان؟ ده عمل وسوّى. ها .. مين تاني؟” وكأن مصر لم تنجب سوى فخامة البيه فلان وسيادة الباشا علان وباقي الشعب – اعذروني في اللفظ – هم عاهات!

كل ما سبق هو صور لفوبيا التغيير. ولقد استغل النظام السابق هذا لصالحه، وأوحى للشعب أنه هو حامي الحمى وحافظ الأمن والأمان، وأنه لو رحل لتحولت مصر إلى إحدى مجاهل أفريقيا أو أحراش كينيا! وأصدقكم القول أنه لولا الله – عز وجل – لقُضِي على الثورة يوم الثلاثاء الأول من فبراير، حين أصدر الرئيس السابق خطابه الثاني الذي استعطف فيه الشعب. فلقد دخل الخطاب إلى قلوب الكثير من الناس، ودفعهم إلى أن يكذبوا عيونهم وآذانهم وذاكراتهم التي امتلئت بصور فساد النظام السابق وأكاذيبه، وأن يصدقوا الخطاب، وأن الرئيس المخلوع يستحق فرصة أخرى، حتى خلى الميدان إلا من بضعة آلاف. ولكن عناية الله – سبحانه وتعالى – رزقت الرئيس السابق ومعاونيه بكمية من الغباء لا توصف! فألهمهم بالقيام بموقعة الجمل التي أزالت كل شك أو تردد من قلوب الشعب ودفعته دفعا إلى الاستمرار في ثورته حتى كتب الله لها النجاح.

وختاما لهذه المقدمة، أحب أن أوضح أن العلم قد توصل إلى بالفعل إلى ما يسمى بفويبا التغيير[3] ولكنها مرض نفسي له أعراض كضيق التنفس والغثيان واضطراب ضربات القلب، وهو يختلف تمام الاختلاف عن موضوع المقال، وهو ثقافة الخوف من التغيير.

 

وللحديث بقية

أحمد سعد

26 ديسمبر 2011


[1] Claustrophobia

[2] Acrophobia

[3] Metathesiophobia

 
6 تعليقات

Posted by في 26 ديسمبر 2011 بوصة كلام في السياسة

 

الأوسمة: , , , , , , , ,

6 responses to “تغييروفوبيا – 1. مقدمة لا بد منها

  1. فاطمة القلفاط

    26 ديسمبر 2011 at 3:03 م

    الخوض فى الأمراض الثقافية و الاجتماعية حيث نستنكر الداء و يعز الدواء ، لى اقتراح كإضافة أو امتداد للمقال إنه يتربط بسيكولوجية الشعب المصرى ، سيكولوجيات الشعوب بتدى فهم أعمق للظواهر الثقافية المنفردة…و النت مليان مراجع حلوة فى الموضوع ده.

     
    • Ahmed Saad

      26 ديسمبر 2011 at 5:39 م

      ربنا يسهل! شكرا على الاقتراح 🙂

       
  2. mohamedibr752

    26 ديسمبر 2011 at 9:08 م

    كلام جميل يا احمد .. فعلا اري معظم الناس يخافون التغيير ! .. في كتاب قرأته زمان موضوعه الرئيسي كيفية تقبل التغيير .. هو كتاب صغير ممكن تاخد فكرة عنه .. اسمه “Who moved my cheese” .. وربنا يوفقك وتكون كاتب كبير 🙂

     
    • Ahmed Saad

      26 ديسمبر 2011 at 9:54 م

      شكرا يا محمد ..
      كاتب بس؟! مافيش محلل سياسي مثلا؟! 🙂

       
  3. Youssef Rezk

    26 ديسمبر 2011 at 10:41 م

    gameel ya sa3ed ya reet torsod alamrad alo5ra 🙂

     
    • Ahmed Saad

      26 ديسمبر 2011 at 10:53 م

      إن شاء الله

       

اترك رداً على Ahmed Saad إلغاء الرد